مطبخ حرائق؛ بلا تأمين!

لماذا المتابعة اليومية للأخبار تمنحك فهم أقل عن كل ما يحدث حولك؟!

الكتب هي أفضل طريقة لفهم الكوكب.
الكتب هي أفضل طريقة لفهم الكوكب.

على الذي لا يطيق الحرارة؛ أن يغادر المطبخ فورًا،  بهذه الجملة القصيرة يمكنك تصف ثقل «المطبخ الإعلامي» سواءً كُنت الرئيس التنفيذي لشبكة فوكس نيوز أو تُدير «قروب عائلتكم على واتساب» … إذا كنت لا تطيق حرارة النقد والغرق في معمة الأخبار ونفيها وإثباتها غادر المطبخ فورًا!

العمل في «صناعة الأخبار» هو أكثر عمل يمنحك تذكرة بلا عودة إلى «كوكب سمّية المعلومات» وهو كوكب سوداوي لا يرى إلا الدمار والخراب، ويسعده جدًا نقل كل شيء سيء. لأنه ينطلق من قاعدة عامة؛ الخبر هو: «الرجل عضّ كلبًا، وليس الكلب عضّ رجلًا»، لأن الخبر لا يُعتبر خبرًا إلا إذا كان غير معتاد وملفتًا ويستحق النشر. وهذا ما يجعل هذا الكوكب يعيش في دوامة من سمّية المعلومات.

لا أعلم لماذا كنت أريد العمل في الصحافة عندما كنت في المرحلة الثانوية، لكنها كان رغبة ضمن رغبات عدة، والحمدالله أن العمل اقتصر على «تعاونات قصيرة جدًا»، لكن تلك المراحل القصيرة رغم كل السوء الذي فيها علمتني قواعد عامة في الحياة بشكل عام، وفي الصحافة بشكل خاص. كمثال في المطبخ الإعلامي؛ إذا كثروا الطباخين «في الإعداد» تزين الطبخة، وإذا قل عددهم في التقديم، تزداد جمالًا، ليس هناك قواعد طبخ ثابتة. يوجد طبخات درجة استوائها لحد النضوج، تخرج من الفرن بحقيقتها الكاملة، لا تقبل التأويل أو التحريف، وأحيانًا «تقبل التصديق بالإكراه».

ثم لدينا طبخات على نار هادئة، تنضج وتستوي «في أفواه الجمهور» إذا مضغوها وحللوها، وربما حرفوها عن سياقها، نابعة من قاعدة:«إن أخطر الأكاذيب هي الحقائق التي اعتراها تحريف طفيف».

الثابت الوحيد في المطبخ الإعلامي؛ أنك لا تستطيع التحكم في درجة الحرارة، «إما أن تستحمل الحرارة أو تغادر»، ربما نجحت مرة أو مرتين أو ثلاث في «حرق خصومك» لكن «النيران الصديقة» في المطبخ يمكنها أن تحرقك أيضا!

أعلم تمامًا أن «المستهلكين للأخبار» وأعني هنا الجمهور الذي يتغذى بشكل يومي على الأخبار، يظن أنه يفهم الكوكب، ويعرف كيف تتحرك الدول، لكن بعد كل هذه التجارب أقول «أجهل الناس هم أكثر الناس تعلقًا بالأخبار»، لأنها مجزأة  وخارج السياق ولا تحتوي على «سرد كامل للحقائق من خلال سياق زمني».

الحقائق الكاملة ستجدها في الكتب، الأحداث يُعاد روايتها وتكرارها، وستجد أن الكتب شرحت كل شيء، قالها نافال رافيكانت «أقرأ الكتب، وتجنّب متابعة الأخبار»، لو أردت أن تكون عميق في فهمك للأحداث السياسية والصراعات في المنطقة على سبيل المثال، أكثر شيء سوف يرهق ذهنك هو ملاحقة الأخبار اليومية عن ما يحدث في منطقتنا. لكن لو وضعت لنفسك «جدول قراءة لمدة ست أشهر كمثال» عن «قضية فلسطين، أو العراق، أو ما يحدث في سوريا، أو أزمة المياة بين مصر والسودان …إلخ»، كل قضية من القضايا السابقة لها إرث طويل من الصراع.

إذا تجنبت الغرق في الضجيج اليومي للأخبار، وكنت مُعتدلًا في سماع الأخبار المهمة فقط، دون سياقات تحليل. لأن المتابعة اليومية تُغفل السياقات التاريخية المهمة، لكن كتاب واحد أو عدة كتب عن نفس القضية سوف تمنحك وعي كامل حول القضية.

على الذي لا يطيق الحرارة؛ أن يغادر المطبخ فورًا، لهذا كان قراري المغادرة ولم أندم على الخروج من هذا المطبخ.  العيش في أحضان الكتب ماتع ويمنحني فهم أعمق عن ما يحدث في العالم.

اطلعوا من المطبخ وسكروا الباب؛ وليحترق كل صُناع الأخبار.


سفر عياد
سفر عياد
- نشرة بريدية كل خميس

مدونة شخصية و نشرة بريدية ، تدور حول «التقنية، الاقتصاد الرقمي، والمحتوى»