هل سنفقد الأفكار الصعبة؟

كل شيء يبدأ من تحديد السؤال الصحيح
كل شيء يبدأ من تحديد السؤال الصحيح

مرحبًا،

اليوم في مجتمع الأعمال تجد أن أدوات الذكاء الاصطناعي، سيطرت على جزء كبير من تنفيذ المهام، لاحظ بأني قلت «سيطرت» ولم استخدم مفردة «سهلت»، الكثير من الزملاء يستخدم جملة «هذه الأدوات سهلت حياتي»، وأنا هنا دقيق جدًا في استخدام المفردات و سأشرح لك لماذا.

لم آتي لكي أخوض جدال عقيم حول «ضرورة أو عدم ضرورة» استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل، لأن رأيي أنها هي المستقبل ونحن متجهين بالكامل لهذا الطريق. وأشرت في مقالات كثيرة أن الشركات والمنظمات الحكومية يجب أن تُلزم موظفيها في تعلّم هذه الأدوات والاعتماد عليها. وهذا الرأي قلته قبل سنوات. و في مطلع هذا العام بدأنا نسمع عن رؤساء تنفيذيين في السيليكون فالي يُلزمون الموظفين باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. بل بعضهم أشار إلى أنها ستدخل ضمن تقييمهم السنوي.

فكرتي التي أودت الحديث عنها هي أننا «فقدنا الأفكار الصعبة»، وأعني تلك الأفكار التي تجعل كل خلايا مخك تعمل وتفكر وتحلل ضمن منهجية تفكير واضحة تبدأ من «السؤال، ثم تفكيك السؤال إلى أسئلة أصغر، ثم التشعب في الأفكار، ثم البحث، ثم التحليل، ثم ظهور الاستنتاجات الأولية، ثم تقييم المخرجات، ثم مرحلة الحصول على الحل». وقد يكون الحل خاطئ تمامًا.  ثم ربما العودة إلى السؤال الرئيسي أو الأسئلة الأصغر، لأن المدخلات كانت سيئة ربما كان السبب البحث أو  أسئلة البحث لم تكن دقيقة أو لم تكن واضحة». هذه العملية لا تنتهي غالبًا بحل واضح بل ربما تنتهي بلا حل. وتبدأ مرة أخرى من نقطة الصفر. مما يجعل «عقلك في وضع البحث عن حلول أخرى».

هذا التدريب العميق لعقلك، هو الوضع الطبيعي للعمل في البيئة الإبداعية أو أيّ بيئة عمل أخرى تعتمد على «التفكير» وتكون مخرجاتها منتجات. إذا لم تستخدم هذه المنهجية من قبل فأنت غالبًا لا تعمل. وإذا كنت تستخدمها لكنك أدخلت بعض أدوات الذكاء الاصطناعي فأنت جيّد لحد ما. «لكنك ستنتقل قريبًا لمرحلة ضحالة الأفكار». أما إذا كنت جديد في العمل وبدأت حياتك العملية مع هذه الأدوات «فأنت تكتب لعنة كبيرة في حياتك الوظيفية».

بالعودة إلى منهجية التفكير المختصرة التي ذكرناها. «نعم هي مختصرة جدًا»، لكني وضعت فقط الأساسيات. فنلاحظ أنها تتكون من  ثمان مراحل أساسية هي:

  1.  السؤال الرئيسي

  2. تفكيك السؤال إلى أسئلة أصغر

  3.  التشعب في الأفكار

  4.  البحث

  5. التحليل

  6.  ظهور الاستنتاجات الأولية

  7. المخرجات

  8.  الحصول على الإجابة

كل هذه العملية المعقدة يتم اختزالها اليوم بالذكاء الاصطناعي إلى خطوتين «سؤال ثم إعادة سؤال» والحصول على الإجابة. وهذا شيء غيّر جيّد لعقلك. أعلم تمامًا أن وقت إنجاز المهام أصبح أقل، ولديك متسع من الوقت لإنجاز مهام أخرى. وأنت تُنهي كل المهام بسرعة أكبر مستخدمًا نفس المنهجية. «سؤال، تعديل السؤال، الحصول على الإجابة». عقلك لا يعمل على «البحث وتفكيك السؤال، ولا يحلل، ولا يربط بين الأفكار، ولا يُقيّم المخرجات النهائية بل يأخذ الإجابات كأنها وحي مُنزل».

أعلم أن كلامي لا يعجبك؛ وأنت الآن تترقى في عملك وعملائك راضين عنك تمامًا، وليس لديك مهام عالقة، و مهام العمل تُسلّم في وقتها النهائي بلا تأخير. وتعتقد أن هذا هو الوضع الطبيعي للحياة العملية.

لكني أعتقد أن «عقلك سيكون نسخة مكررة من عقول أُناس كثيرين من حولك»، نعم نحن فقدنا الأفكار الصعبة. وجميعكم تتغذون على نفس أدوات الذكاء الاصطناعي. أفضل عقل فيكم هو العقل الذي يسأل الذكاء الاصطناعي ويحدد ويفصل الأسئلة بشكل دقيق. «وهذا يجري اختباره الآن مع ثورة الذكاء الاصطناعي» عمومًا هو ليس عقل خارق. يمكن الوصول لدرجة المعرفة التي لديه فقط إذا تعلّمت كيف تسأل الذكاء الاصطناعي.  وهذا باب كبير خلق لنا دورات كثيرة تُدربك على طرح الأسئلة للذكاء الاصطناعي. لأنها باب حصولك على المعرفة.

الآن دعونا نطرح سؤالًا عقلانيًا متزنًا؛ هل نحن أصلًا في حاجة «لإستخراج الأفكار الصعبة» من خلال الطريقة التقليدية التي ذكرتها بثمان خطوات والتي تستغرق أربعة أيام عمل وربما أكثر، أم يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي والحصول على النتيجة في بضع دقائق؟

ربما الغالبية منكم سوف يميل للخيار الثاني لأنها «أسهل أبسط أسرع» وهذا هو الشيء الطبيعي في «لغة الأعمال» نحن نتوقع منك السرعة والسهولة والبساطة في تنفيذ وتقديم الخدمات. لكنك طريقتك التقليدية سوف تحتاج لفِرق عمل و وقت أطول أيضا نسبة حصولك على الإجابة الصحيحة ستكون منخفضة لحد ما.!

حتى أكون صادق معكم ومع نفسي صرت أعرف «الأفكار» هل هي نتيجة منهجية تفكير أم مخرجات ذكاء اصطناعي. يتضح لك ذلك من تقديم الفكرة، من العرض التقديمي، من طريقة النقاش.  إذا أردت أن تختبر العقل الذي تناقشه «خض معه نقاش عميق حول فكرته، ستجده يتأذى ولا يجد إجابات واضحة» لأن الأفكار لم تكن نتيجة «تنازع وبركان في خلايا مخه» إنما طقطقات سريعة على الكيبورد.

لننتبه أنا لا أقول لك توقف عن استخدام الذكاء الاصطناعي، سأكون غبي لو طلبت منك ذلك. لكن أرجوك درب عقلك على الأفكار الصعبة، لا نريد سوق مُكرر من الأفكار والاستنتاجات. نريد سوق إبداعي قادر على التحليل وتفكيك الأسئلة الصعبة.

في المستقبل القريب جدًا سنجد نُدره في المواهب التي تستخدم الطريقة التقليدية ذات الثمان مراحل، لأن السوق سوف يصبح بالكامل سوق يعتمد على الذكاء الاصطناعي. لذلك الأفكار الصعبة التي ستغيّر السوق ستأتي من هؤلاء القلة. لكن الأفكار «المُعلبة المكررة» التي ينتجها الذكاء الاصطناعي ستكون حاضرة في السوق وعليها طلب ويعتمد عليها السوق في دوران عجلة المشاريع. وهذا الوضع الطبيعي لقطاع الأعمال.

لذلك نحن أمام ثلاثة عقول يمكنها أن تُنقذ الأفكار الصعبة:

  1. العقول التي عملت على مشاريع كثيرة، مع شح الأدوات البرمجية في فترة بدايات الإنترنت 2000 ميلادي. هذه العقول نفذت الكثير من المهام بأدوات قليلة. لذلك بُرمجت عقليتها على الحلول الصعبة، الأسئلة الصعبة، وهي التي خلقت هذه المنهجية في العمل.

  2. العقول التي دخلت للسوق في الفترة من 2007 حتى 2013 هي الفترة التي ازدهرت فيها «أدوات العمل الجماعي» والأتمتة و طفرة المستقلين المتخصصين في مهارات محددة، ومعها بدأنا نرى سهولة في إطلاق الشركات وتنفيذ المشاريع وتبسيط الإجراءات في إدارة فِرق العمل.  وهذه العقول تؤمن بالطريقة الكلاسيكية في الأفكار الصعبة. لكنها حاليًا تتبنى «الجيل الجديد من الموظفين الذين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي»، هي لا تقوم بنفسها بهذه المهام، لكنها تطلب من فِرق عملها تنفيذ المهام باستخدام الذكاء الاصطناعي.

  3. العقول التي بدأت حياتها الوظيفية في الفترة الحالية مع ثورة أدوات الذكاء الاصطناعي. ربما تكون تدربت ذاتيًا أو دُربت في مرحلة الجامعة على «البحث العلمي والتحليل والاستنتاج والكتابة والقراءة المطولة» وربما لأ.  لكن حتى إن تم تدريبها على ذلك. فإن سهولة «الحصول على المعرفة مغري جدًا لها» لذلك هي العقول التي ستبدأ معها «لعنة البشرية» وفقد الأفكار الصعبة.

أنا لا أفرض رأي أو أدعي المعرفة الكاملة، لكن أعتقد أن «إعمال العقل بالتفكير والتحليل» هي أفضل مكافأة وأكثر شكر للنعمة التي أنعم الله عليك بها. أنا دائمًا مه منهجية «أعمل ذكاء ولا تعمل بجهد» لكني أراها تتعارض مع استخدام الذكاء الاصطناعي في كل شيء. أنت هنا لم تعمل بذكاء «أنت سلّمت كل القيادة لعقل آخر نيابةً عنك» وياليته عقل. لكنه مجرد أداة موجودة لدى الجميع.

ختامًا؛ استخدم الذكاء الاصطناعي، لكن لا تُهمل منهجية التفكير الأساسية ومهارة البحث والقراءة. عقلك يتطوّر ويتفوق على الآخرين بكثرة التحليل والقراءة.

الأفكار الصعبة تحتاج لعقول لا تؤمن بالأفكار المعلبة.

سفر عياد
سفر عياد
- نشرة بريدية كل خميس

مدونة شخصية و نشرة بريدية ، تدور حول «التقنية، الاقتصاد الرقمي، والمحتوى»